أرشيف

فاق النظام من غيبوبته، فوجد نفسه محشوراً في زقاق: “المجلس الوطني” للمشترك من الأمام، والضغوط الدولية من الخلف، والساحات لم تصم عن الثورة ف?

زكريا الكمالي 

على غير العادة، أجبرت أحزاب اللقاء المشترك، أركان النظام على رفع حالة الـتأهب القصوى، بعد تحديد يوم الـ17 من رمضان، كموعد نهائي لإعلان “المجلس الوطني”، الذي طال انتظاره.
لم يتعامل النظام هذه المرة مع تصريحات المعارضة، بنوع من الاستخفاف المعهود، بل أعلن ما يشبه “حالة طوارئ”: وفد رفيع يتوجه ليلاً إلى الرياض للقاء “صالح”، الجندي يعقد مؤتمراً صحفياً طارئاً للتحذير من خطوة المعارضة ويصفها بـ”إعلان حرب”، يحيى صالح يهدد بـ”كسر رقاب” المعارضين، “صالح” يخرج من جناحه، ويزور نواب رئيس حكومته، راجلاً.

بالنسبة للرئيس “صالح”، كانت زيارته لنائبي رئيس الوزراء: الدكتور رشاد العليمي، وصادق أمين أبو راس، هي الظهور الرابع.
 خلال الظهورين الأخيرين، لم يكن هدف الرئيس كالسابق: طمأنة الشعب أو استدرار العطف، ولم يكن سببها واجباً إنسانياً متمثلاً بـ”زيارة المريض”. الأمر اختلف. حرصت الكاميرا على إبرازه واقفاً ويمشي بأقدامه، أكثر من حرصها على إظهاره متعافياً من حروقه.
وقوف الرئيس، يعني أن النظام الذي تسعى المعارضة إلى  إسقاطه في 17 من رمضان، مازال ثابتاً، ولم يصل إلى مرحلة الشلل التام، حتى وإن ظهر كبار أركانه على “عكازات” كيحيى الراعي، أو “كرسي كهربائي متحرك” كرشاد العليمي، أو طريحاً للفراش ويلبس نظارات تدل على فقدان النظر،  كحالة صادق أمين أبو راس. 

في نظر”صالح”، هذه تحركات ستجهض المجلس الوطني الانتقالي المنتظر، ولابد من القيام بها، مع التمسك بوسائل أخرى، مازال بإمكانه استخدامها، للمناورة، وفي نظر الدول الغربية، انتهى الوقت الإضافي المسموح لنظامه.
لم يكن يتوقع النظام أنه سيصل إلى هذا المستوى الحرج، ولذا مازال يستميت في الدفاع عن شرعية مفقودة، ويطلق قذائف تشويش لأية خطوات ثورية.
نهاية الأسبوع الفائت، كان أمين عام مجلس الوزراء اليمني عبدالحافظ السمة، يعلن من صنعاء، عن اعتزام الرئيس علي عبدالله صالح إطلاق “بشرى سارة” للشعب اليمني فور عودته إلى صنعاء قريبًا، ستخرج البلاد من الأزمة السياسية الخانقة”.

 امتنع السمة عن الإفصاح حول ماهية “البشرى السارة”، التي لا تعدو كونها، سوى حرب نفسية في نظر الناس.
الحسبة الخاطئة 
عمل النظام كل ما بوسعه من أجل إفشال الثورة، وراهن على حسابات، يبدو أنها قد دخلت في خانة الخسران.
ملل الساحات،، كان فرس رهان الحزب الحاكم، إضافة إلى تضييق الخناق على الشعب، وتكثيف جرعات العقاب الجماعي، حتى يلقي الناس باللائمة على ثورة الشباب، وينفضون عن الساحات.

طيلة الفترة الفائتة، كان “صالح” يوهم المجتمع الدولي، أن أنصاره هم الأكثر، وخلال الأشهر الأخيرة من عمر الثورة، أقنع الخليج أن الساحات لم يعد فيها سوى الخيام. 
لم يكن يتوقع أن اليمنيين سيستمرون في ثورتهم نصف عام، وخصوصاً في شهر رمضان. وفي شهر الصوم ، لم تصم الساحات عن ثورتها. المظاهرات استمرت كالعادة، والثورة كانت تنبض.

إصرار اليمنيين على الحرية، جعل المجتمع الدولي، يخرج عن مرحلة تهميش ما يجري في اليمن، والقفز على تهديدات “صالح”، بأن النظام القادم، سيشهد نموًا للقاعدة، ويطالب علناً، بنقل واضح  وسريع للسلطة.

وجد “صالح” نفسه محاصراً بشدة من الداخل والخارج هذه المرة، وبات مؤمناً بأن الغرب لن يصدق ألاعيب قديمة، وأن عليه اقتناص اللحظة الأخيرة، التي ربما قد لا تتكرر، ويجد نفسه في مصير “مبارك”..
الجمعة الفائتة، رحبت المملكة المتحدة بالرسالة الواضحة الصادرة عن مجلس الأمن حول تحقيق انتقال سلمي ومنتظم في اليمن.
القائم بالأعمال ونائب الممثل الدائم للمملكة المتحدة في مجلس الأمن السفير فيليب بارهام، قال في بيان: «أرحب بالرسالة الواضحة الصادرة عن مجلس الأمن حول تحقيق انتقال سلمي ومنتظم في اليمن، فهذا دليل على الشعور المتنامي بالقلق لدى المجتمع الدولي تجاه الأحداث في اليمن».
كما رحب، بتقييم المجلس بأن “عملية انتقالية سياسية” بقيادة يمنية هي أول خطوة تجاه تلبية احتياجات كافة اليمنيين. كما رحب بالمطالبة باحترام الالتزام بضمان إتاحة تقديم المساعدات دون عراقيل، مؤكداً دعم بلاده للجهود المستمرة لكل من المستشار الخاص للأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، الرامية لتسهيل عملية انتقال سياسية سلمية وشمولية.

ما يجري في اليمن، يحظى بمتابعة الغرب جيداً، قال فيليب بارهام: «إن الأزمة المستمرة في اليمن تؤدي لانتكاسه سنوات إلى الوراء. وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعاً كبيراً، وإلى جانب نقص الوقود فإن لذلك تأثيراً كبيراً على الشعب اليمني والعمليات الإنسانية. كما أدى القتال المستمر في جنوب زنجبار إلى توليد احتياجات إنسانية كبيرة».
وفي نقلة نوعية، للمواقف الغربية، أكد بارهام أنه «لابد الآن من انخراط كافة الأطراف في اليمن بالمفاوضات التي تهدف إلى تحقيق عملية انتقال سياسية سريعة، كما يجب إنهاء القتال في الجنوب سريعاً وإتاحة المجال لوكالات الإغاثة بالوصول للمحتاجين».
وأضاف: «إن الأمم المتحدة تلعب دوراً أساسياً، ويتعين عليها الاستمرار بالتواصل مع الدول المجاورة لليمن والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي، وجميعهم يقدمون المساعدة لتحقيق نقل السلطة سلمياً وبسرعة».

وكان مجلس الأمن قد استمع في 9 أغسطس لإيجاز حول الوضع في اليمن، أعربوا فيه عن قلقهم العميق تجاه التدهور الكبير بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن. كما ساورهم قلق عميق لتدهور الوضع الأمني، بما في ذلك التهديد المتمثل بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
لم يكتفِ مجلس الأمن  بذلك، بل ناشدوا الأطراف ضمان إتاحة توفير المساعدات الإنسانية دون عراقيل، وأعربوا عن قلقهم بشأن زيادة العراقيل أمام توفير الإمدادات الأساسية، وأهابوا بكافة الأطراف عدم استهداف البنية التحتية.

كما ناشد أعضاء المجلس كافة الأطراف في اليمن نبذ العنف وإبداء أكبر قدر من ضبط النفس. وطالبوا كافة الأطراف باحترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي المعمول به.
وطالب كذلك كافة الأطراف التعجيل في عملية انتقال سياسية شمولية ومنتظمة تكون بقيادة يمنية وتلبي احتياجات وتطلعات الشعب اليمني لأجل التغيير. ونوهوا علماً بالجهود اليمنية بهذا الشأن، والتي مازالت تلعب مبادرة مجلس التعاون الخليجي دوراً ضرورياً فيها.
المبادرة .. الشهيد الحي
تحولت المبادرة الخليجية إلى ما يشبه “مظلة طيار”، في نظر الرئيس. يمقتها، لكنه يرى أنها أفضل السيئات التي ستحدد مصيره  حياً ومكرماً، وكلما شعر أن موقفه محرج داخلياً وخارجياً، نفخ فيها الروح.
الضغوط الدولية الشديدة، جعلت من “صالح” يتذكرها، ويستدعي عدداً من قيادات الحزب الحاكم إلى المملكة، لبحث مسألة إحيائها. 
الأربعاء الفائت، عادت المبادرة التي شيعتها الساحات اليمنية قبل أشهر، إلى الطاولة هناك في الرياض.
في أجنده النظام، مازالت المبادرة تنبض، أو “الشهيد الحي”، خلال اللقاء الذي جمع “صالح” بأركان النظام، كانت الأنباء المتداولة، تقول: إن المبادرة، تصدرت النقاشات.

في الخبر الرسمي الذي بثته وكالة “سبأ” الرسمية، ورد أن “صالح” وجّه بما وجّه به سابقاً : التعامل الإيجابي مع المبادرة الخليجية، والتعامل لا يعني القبول بها، وتحديد موقع للتنفيذ.
 الوكالة قالت أيضاً: إن الرئيس أكد على أهمية البحث عن “آلية مناسبة” لانتقال سلمي”سلس” للسلطة. 
عدد من الصحف العربية، والقنوات الفضائية، نقلت، ذات اليوم، أن “صالح” وافق على تنفيذ المبادرة الخليجية، لكنه اشترط، “خروج الأحمرين” – علي محسن الأحمر وصادق الأحمر – من اليمن.

الأيام القادمة، لن تكون أسوأ من التي عاشها اليمنيون قبل، ومؤكد أنها ستحمل لهم الأنباء السارة. 
أكثر الاحتمالات أن الرئيس، سيوقع على المبادرة الخليجية قبل إعلان المعارضة للمجلس الوطني، ليقطع السبيل أمام هدف إسقاط النظام بالكامل، وأسوأها أنه سيعود إلى صنعاء، منصاعاً لطلبات جنرالات أسرته التي ترفض تنحيه وتفضل الحرب وكسر الرقاب، لكن الحالة الأخيرة، لن تجعله ينام قرير العين في صنعاء، فإضافة إلى شبح “حرب أهلية”، تعهدت واشنطن بعدم السماح باندلاعها، سيكون القضبان، والسرير الذي ظهر به “مبارك” كابوساً لا يفارق مخيلته إن عاد إلى صنعاء، حتى وإن حمل لليمنيين”بشرى سارة”، لا يستبعد أن تكون “بشرى سيئة” لهم..
في كلا الحالتين.. العد التنازلي بدأ، والحلم بات على مرمى حجر. 
‏alkamaliz@hotmail.com


المصدر : صحيفة حديث المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى